فصل: فَصْلٌ: فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: فِي بَيَانِ النَّوْعِ الثَّانِي مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ إلَى أَمَدٍ:

وَهُنَّ (الْمُحَرَّمَاتُ لِعَارِضٍ يَزُولُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ زَوْجَةُ غَيْرِهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1).
(وَ) تَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ (الْمُعْتَدَّةُ) مِنْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ} (2) (وَ) تَحْرُمُ أَيْضًا (الْمُسْتَبْرَأَةُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا زَمَنَ اسْتِبْرَائِهَا يُفْضِي إلَى اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَاشْتِبَاهِ الْأَنْسَابِ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْمُعْتَدَّةُ، وَالْمُسْتَبْرَأَةُ (مِنْ وَطْءٍ مُبَاحٍ أَوْ مُحَرَّمٍ) كَشُبْهَةٍ وَزْنًا (أَوْ مِنْ غَيْرِ وَطْءٍ) كَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لِعُمُومِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَ) كَذَا (الْمُرْتَابَةُ بَعْدَ الْعِدَّةِ بِالْحَمْلِ) لَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا لِغَيْرِهِ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ وَيَأْتِي فِي الْعَدَدِ (وَتَحْرُمُ الزَّانِيَةُ إذَا عُلِمَ زِنَاهَا عَلَى الزَّانِي وَغَيْرِهِ حَتَّى تَتُوبَ وَتَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} وَهُوَ خَبَرٌ وَمَعْنَاهُ النَّهْيُ وَلِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ} (2) وَهُنَّ الْعَفَائِفُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ:
«لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» يَعْنِي إتْيَانَ الْحَبَالَى رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
(فَإِنْ كَانَتْ) الزَّانِيَةُ (حَامِلًا مِنْهُ) أَيْ مِنْ الزِّنَا (لَمْ يَحِلَّ نِكَاحُهَا قَبْلَ الْوَضْعِ) لِمَا سَبَقَ (وَتَوْبَتُهَا) أَيْ الزَّانِيَةِ (أَنْ تُرَاوَدَ عَلَيْهِ) أَيْ الزِّنَا (فَتَمْتَنِعَ) مِنْهُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ قِيلَ لِعُمَرَ كَيْفَ تُعْرَفُ تَوْبَتُهَا: قَالَ يُرِيدُهَا عَلَى ذَلِكَ: فَإِنْ طَاوَعَتْهُ فَلَمْ تَتُبْ، وَإِنْ أَبَتْ فَقَدْ تَابَتْ فَصَارَ أَحْمَدُ إلَى قَوْلِ عُمَرَ اتِّبَاعًا لَهُ.
قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَرَادَ مُخَالَطَةَ إنْسَانٍ امْتَحَنَهُ، حَتَّى يَعْرِفَ بِرَّهُ أَوْ فُجُورَهُ أَوْ تَوْبَتَهُ وَيَسْأَلُ ذَلِكَ مَنْ يَعْرِفُهُ (وَقِيلَ تَوْبَتُهَا) أَيْ الزَّانِيَةِ (كَتَوْبَةِ غَيْرِهَا) نَدَمٌ وَإِقْلَاعٌ وَعَزْمٌ أَنْ لَا تَعُودَ (مِنْ غَيْرِ مُرَاوَدَةٍ) وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ لَا يَنْبَغِي امْتِحَانُهَا بِطَلَبِ الزِّنَا مِنْهَا بِحَالٍ.
وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ (فَإِذَا تَابَتْ) مِنْ الزِّنَا وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا (حَلَّ نِكَاحُهَا لِلزَّانِي وَغَيْرِهِ) عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَابْنُهُ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرٌ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ وَعَائِشَةَ «أَنَّهَا لَا تَحِلّ لِلزَّانِي بِحَالٍ» فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِذَلِكَ مَا قَبْلَ التَّوْبَةِ أَوْ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا فَيَكُونُ كَقَوْلِنَا.
(وَلَا يُشْتَرَطُ) لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا (تَوْبَةُ الزَّانِي بِهَا إذَا نَكَحَهَا) أَيْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْكِحَ الزَّانِيَةَ كَالزَّانِي بِغَيْرِهَا (وَإِنْ زَنَتْ امْرَأَةٌ) قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ (أَوْ) زَنَى (رَجُلٌ قَبْل الدُّخُولِ) بِزَوْجَتِهِ (أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَنْفَسِخْ النِّكَاحُ) بِالزِّنَا لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ لَا تُخْرِجُ عَنْ الْإِسْلَامِ أَشْبَهَ السَّرِقَةَ، لَكِنْ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى تَعْتَدَّ إذَا كَانَتْ هِيَ الزَّانِيَةَ وَيَأْتِي.
وَاسْتَحَبَّ أَحْمَدُ لِلزَّوْجِ مُفَارَقَتَهُ امْرَأَتِهِ إذَا زَنَتْ وَقَالَ لَا أَرَى أَنْ يُمْسِكَ مِثْلَ هَذِهِ لِأَنَّهُ لَا يَأْمَن مِنْ أَنْ تُفْسِدَ فِرَاشَهُ، وَتُلْحِق بِهِ وَلَدًا لَيْسَ مِنْهُ وَإِنْ زَنَى بِأُخْتِ زَوْجَتِهِ لَمْ يَطَأْ زَوْجَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا وَإِنْ زَنَى بِأُمِّ زَوْجَتِهِ أَوْ بِنْتِهَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ.
(وَلَا يَطَأُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إذَا عَلِمَ مِنْهَا فُجُورًا) أَيْ زِنًا حَتَّى تَتُوبَ وَيَسْتَبْرِئُهَا خَشْيَةَ أَنْ تُلْحِقَ بِهِ وَلَدًا وَلَيْسَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَكْرَهُ أَنْ أَطَأَ أَمَتِي وَقَدْ بَغَتْ.
(وَتَحْرُمُ مُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثًا) بِكَلِمَةٍ أَوْ كَلِمَاتٍ (حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) نِكَاحًا صَحِيحًا وَيَطَؤُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةِ رِفَاعَةَ لَمَّا أَنْ أَرَادَتْ أَنْ تَرْجِعَ إلَيْهِ بَعْدَ أَنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الزُّبَيْرِ «لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ» (وَيَأْتِي فِي الرَّجْعَةِ بِأَبْسَط مِنْ هَذَا وَتَحْرُمُ الْمُحْرِمَةُ حَتَّى تُحِلَّ).
لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكِحُ وَلَا – يَخْطُبُ» (وَتَقَدَّمَ فِي مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ) بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا (وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحَ كَافِرٍ بِحَالٍ) حَتَّى يُسْلِمَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَقَوْلِهِ {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ}.
(وَلَا) يَحِلُّ (لِمُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا نِكَاحُ كَافِرَةٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} وَلِقَوْلِهِ {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ} (إلَّا حِرَارَ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَوْ) كُنَّ (حَرْبِيَّاتٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ وَلَوْ عَبْدًا نِكَاحُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} وَلِئَلَّا يُؤَدِّي إلَى اسْتِرْقَاقِ الْكَافِرِ وَلَدَهَا الْمُسْلِمَ (وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّج مِنْ نِسَائِهِمْ وَقَالَ الشَّيْخُ: يُكْرَهُ).
أَيْ مَعَ وُجُودِ الْحَرَائِرِ الْمُسْلِمَاتِ قَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ وَقَالَهُ الْقَاضِي وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لِقَوْلِ عُمَرَ لِلَّذِينَ تَزَوَّجُوا مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ طَلِّقُوهُنَّ و(كَ) أَكْلِ (ذَبَائِحِهِمْ بِلَا حَاجَةٍ) تَدْعُو إلَيْهِ وَمَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِكَاحِ كِتَابِيَّةٍ (وَ) مَنَعَ (أَيْضًا مِنْ نِكَاحِ أَمَةٍ مُطْلَقًا) أَيْ مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كِتَابِيَّةً وَتَقَدَّمَ فِي الْخَصَائِصِ مُوَضَّحًا.
(وَأَهْلُ الْكِتَابِ هُمْ أَهْلُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} (كَالْيَهُودِ وَالسَّامِرَةِ) فِرْقَةٌ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ الْإِفْرِنْجِ وَالْأَرْمَنِ وَغَيْرِهِمْ فَأَمَّا الْمُتَمَسِّكُ مِنْ الْكُفَّارِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيم وَشِيثٍ وَزَبُورِ دَاوُد (فَلَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ) لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ ولِأَنَّ تِلْكَ الْكُتُبَ لَيْسَتْ بِشَرَائِعَ إنَّمَا هِيَ مَوَاعِظُ وَأَمْثَالٌ فَ (لَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا ذَبَائِحُهُمْ كَالْمَجُوسِ وَأَهْلِ الْأَوْثَانِ وَكَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهَا غَيْرُ كِتَابِيٍّ وَلَوْ اخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ) لِأَنَّهَا لَمْ تَتَمَحَّضُّ كِتَابِيَّةً وَلِأَنَّهَا مُوَلَّدَةٌ بَيْن مَنْ يَحِلُّ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَحِلُّ فَلَمْ تَحِلْ كَالسِّمْعِ وَالْبَغْلِ.
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَبَوَاهَا غَيْرَ كِتَابِيَّيْنِ وَاخْتَارَتْ دِينَ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَالْمُبْدِعِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقِيلَ تَحِلُّ اعْتِبَارًا بِنَفْسِهَا اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَطَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَاخِرِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ.
(وَ) يَحِلُّ (لِكِتَابِيٍّ نِكَاحُ مَجُوسِيَّةٍ) وَيَحِلُّ لِكِتَابِيٍّ أَيْضًا (وَطْؤُهَا) أَيْ الْمَجُوسِيَّةِ (بِمِلْكِ يَمِينٍ) كَالْمُسْلِمِ يَنْكِحُ الْكِتَابِيَّةَ وَيَطَؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ (وَلَا) يَحِلُّ (لِمَجُوسِيٍّ) نِكَاحَ (كِتَابِيَّةٍ نَصًّا) لِأَنَّهَا أَشْرَفَ مِنْهُ فَإِنْ مَلَكَهَا فَلَهُ وَطْؤُهَا عَلَى الصَّحِيحِ قَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ.
(وَتَحِلُّ نِسَاءُ بَنِي تَغْلِبَ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُنَّ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ وَ) مِنْ (يُهَوِّدُهُمْ) لِأَنَّهُنَّ كِتَابِيَّاتٌ فَيَدْخُلْنَ فِي عُمُومِ الْآيَةِ (وَالدُّرُوزِ وَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالتَّبَّانِيَّةِ) فِرَقٌ بِجَبَلِ الشَّوْفِ وَكِسْرَوَانَ لَهُمْ أَحْوَالٌ شَنِيعَةٌ وَظَهَرَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ أَزَالَهَا اللَّهُ تَعَالَى (لَا تَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ نِسَائِهِمْ وَلَا أَنْ يُنْكِحَهُمْ الْمُسْلِمُ وَلِيَّتَهُ).
قُلْتُ: حُكْمُهُمْ كَالْمُرْتَدِّينَ (وَالْمُرْتَدَّةُ يَحْرُم نِكَاحُهَا عَلَى أَيِّ دِينٍ كَانَتْ) عَلَيْهِ وَإِنْ تَدَيَّنَتْ بِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ لِأَنَّهَا لَا تُقَرُّ عَلَى دِينِهَا.
(وَلَا يَحِلُّ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ وَلَوْ) كَانَ (خَصِيًّا أَوْ مَجْبُوبًا إذَا كَانَ لَهُ شَهْوَةٌ يَخَافُ مَعَهَا مُوَاقَعَةَ الْمَحْظُورِ بِالْمُبَاشَرَةِ نِكَاحُ أَمَةٍ مُسْلِمَةٍ إلَّا أَنْ يَخَافَ) الْحُرُّ (عَنَتَ الْعُزُوبَةِ إمَّا لِحَاجَةِ مُتْعَةٍ وَإِمَّا لِحَاجَةِ خِدْمَةٍ لِكِبَرٍ أَوْ سَقَمً وَنَحْوِهِمَا نَصًّا وَلَا يَجِدُ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ وَلَوْ).
كَانَتْ (كِتَابِيَّةً بِأَنْ لَا يَكُونَ مَعَهُ مَالٌ حَاضِرٌ يَكْفِي لِنِكَاحِهَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ وَلَوْ كِتَابِيَّةً فَتَحِلُّ) لَهُ الْأَمَةُ إذَنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} إلَى قَوْلِهِ {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} هَذَا إنْ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ وَجَبَتْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً لِأَنَّ الْمُنْفِقَ يَتَحَمَّلُ ذَلِكَ عَنْهُ فَيُعَفُّ بِحُرَّةٍ.
وَإِنْ قَدَرَ عَلَى ثَمَنِ أَمَةٍ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَمَةً قَالَهُ كَثِيرٌ مِنْ الْأَصْحَابِ مِنْهُمْ الْقَاضِي فِي الْمُجَرَّدِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْخَطَّابِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْدُ فِي الْمُحَرَّرِ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكُ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبُ وَالْخُلَاصَةُ وَالنَّظْمُ وَالشَّرْحُ وَالْحَاوِي الصَّغِيرُ وَالْوَجِيزُ وَغَيْرُهُمْ وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَبْدُوسٍ فِي تَذْكِرَتِهِ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ.
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ عَدَمُ اشْتِرَاطِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ الْقَاضِي فِي تَعْلِيقِهِ وَطَائِفَةٌ مِنْ الْأَصْحَابِ وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنَوِّرِ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَقَدَّمَ الثَّانِي فِي التَّلْقِيحِ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ (وَالصَّبْرُ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ (مَعَ ذَلِكَ) أَيْ مَعَ وُجُودِ مَا تَقَدَّمَ اعْتِبَارُهُ (خَيْرٌ وَأَفْضَلُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} (1).
(وَلَهُ) أَيْ لِلْحُرِّ (فِعْلُ ذَلِكَ) أَيْ تَزَوُّجُ الْأَمَةِ بِالشَّرْطَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ (مَعَ صِغَر زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ أَوْ) مَعَ (غَيْبَتِهَا أَوْ) مَعَ (مَرَضِهَا) بِحَيْثُ تَعْجَزُ بِهِ عَنْ الْخِدْمَةِ لِأَنَّ الْحُرَّةَ الَّتِي لَا تُعِفُّهُ كَالْعَدَمِ (أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَلَكِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ) حُرَّةً (لِقُصُورِ نَسَبِهِ) فَلَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ إلَى نِكَاحِ حُرَّةٍ (أَوْ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ) فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ خَوْفُ الْعَنَتِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَطِيعِ الطَّوْلِ لِنِكَاحِ الْحُرَّةِ.
(فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يُقْرِضُهُ) مَا يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّ الْمُقْرِض يُطَالِبُهُ بِهِ فِي الْحَالِ (أَوْ رَضِيَتْ الْحُرَّةُ بِتَأْخِيرِ صَدَاقِهَا) لَمْ يَلْزَمْهُ لِأَنَّهَا تُطَالِبهُ بِهِ (أَوْ) رَضِيَتْ الْحُرَّةُ (بِدُونِ مَهْرِ مِثْلهَا أَوْ) رَضِيَتْ (بِتَفْوِيضِ بُضْعِهَا) لَمْ يَلْزَمهُ لِأَنَّ لَهَا طَلَبُ فَرْضِهِ (أَوْ بَذَلَهُ لَهُ بَاذِلٌ أَنْ يَزِنَهُ) أَيْ الصَّدَاقَ عَنْهُ (أَوْ أَنْ يَهَبَهُ) لَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمِنَّةِ (أَوْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يُزَوِّجُهُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ بِزِيَادَةٍ تُجْحِفُ بِمَالِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ) أَنْ يَتَزَوَّجَ الْحُرَّةَ.
وَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ الْأَمَةَ حَيْثُ خَافَ الْعَنَتَ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَطِعْ طَوْلًا لِنِكَاحِ حُرَّةٍ بِلَا ضَرَرٍ عَلَيْهِ (وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي خَشْيَةِ الْعَنَتِ وَ) فِي (عَدَمِ الطَّوْلِ) لِأَنَّهُ أَدْرَى بِحَالِ نَفْسِهِ (حَتَّى لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ مَالٌ فَادَّعَى أَنَّهُ وَدِيعَةٌ أَوْ) أَنَّهُ (مُضَارَبَةٌ قُبِلَ قَوْلُهُ) لِأَنَّهُ مُمْكِنٌ قُلْت بِلَا يَمِينٍ لِعَدَمِ الْخَصْمِ (وَنِكَاحُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ) مَعَ وُجُودِ الشَّرْطَيْنِ (أَوْلَى مِنْ) نِكَاحِ (أَمَةٍ) لِأَنَّ اسْتِرْقَاقَ بَعْضِ الْوَلَدِ أَخَفُّ مِنْ اسْتِرْقَاقِ كُلِّهِ.
(وَمَتَى تَزَوَّجَ أَمَةً ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا) لِنِكَاحِ حُرَّةٍ (حَالَ النِّكَاحِ أَوْ) ذَكَرَ أَنَّهُ (لَمْ يَكُنْ يَخْشَى الْعَنَتَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا) لِاعْتِرَافِهِ بِفَسَادِ نِكَاحِهِ (فَإِنْ كَانَ) إقْرَارُهُ بِذَلِكَ (قَبْلَ الدُّخُولِ وَصَدَّقَهُ السَّيِّدُ فَلَا مَهْرَ) لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى بُطْلَانِ النِّكَاحِ.
(وَإِنْ كَذَّبَهُ) السَّيِّدُ فِي ذِكْرِهِ أَنَّهُ كَانَ مُوسِرًا أَوْ لَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ (فَلَهُ) أَيْ السَّيِّدِ (نِصْفُهُ) أَيْ الْمَهْرِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مَقْبُولٍ عَلَى السَّيِّدِ فِي إسْقَاطِهِ (وَإِنْ كَانَ) إقْرَارُهُ بِذَلِكَ (بَعْدَ الدُّخُولِ فَعَلَيْهِ الْمُسَمَّى جَمِيعُهُ) بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا فَإِنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُسَمَّى لَزِمَهُ لِإِقْرَارِهِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى أَكْثَرَ وَجَبَ لِلسَّيِّدِ (وَإِذَا تَزَوَّجَ الْأَمَةَ وَفِيهِ الشَّرْطَانِ) بِأَنْ كَانَ عَادِمَ الطَّوْلِ خَائِفَ الْعَنَتِ (ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً أَوْ زَالَ خَوْفُ الْعَنَتِ أَوْ نَحْوِهِ).
كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا لِغَيْبَةِ زَوْجَتِهِ فَحَضَرَتْ أَوْ لِصِغَرِهَا فَكَبِرَتْ أَوْ لِمَرَضِهَا فَعُوفِيَتْ (لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهَا) أَيْ الْأَمَةِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ النِّكَاحِ تُخَالِفُ ابْتِدَاءَهُ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْعِدَّةَ وَالرِّدَّةَ يَمْنَعَانِ ابْتِدَاءَهُ دُونَ اسْتِدَامَتِهِ وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ «إذَا تَزَوَّجَ الْحُرَّةَ عَلَى الْأَمَةِ قَسَمَ لِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ وَلِلْأَمَةِ لَيْلَة» (وَإِنْ تَزَوَّجَ) الْحُرُّ (حُرَّةً فَلَمْ تُعِفَّهُ وَلَمْ يَجِدْ طَوْلًا لِحُرَّةٍ أُخْرَى جَازَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا} الْآيَةَ.
قَالَ أَحْمَدُ إذَا لَمْ يَصْبِرْ كَيْفَ يَصْنَعُ (وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ حُرَّةٍ لَا تُعِفُّهُ وَأَمَةٍ بِشَرْطِهِ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ) صَحَّ كَمَا لَوْ كَانَا فِي عَقْدَيْنِ (وَكَذَا لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً فَلَمْ تُعِفَّهُ سَاغَ لَهُ نِكَاحُ ثَانِيَةٍ ثُمَّ) إنْ لَمْ تُعِفَّاهُ سَاغَ لَهُ نِكَاحُ (ثَالِثَةٍ ثُمَّ) إنْ لَمْ يُعِفَّهُ سَاغَ نِكَاحُ (رَابِعَةٍ وَلَوْ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا يُعِفُّهُ إلَّا ذَلِكَ) لِمَا سَبَقَ (وَكِتَابِيٌّ حُرٌّ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي تَزَوُّجِ الْأَمَةِ (كَمُسْلِمٍ) فَلَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ إلَّا بِالشَّرْطَيْنِ (وَوَلَدُ الْجَمِيعِ) مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ (مِنْهُنَّ) أَيْ الْإِمَاءِ (رَقِيقٌ لِلسَّيِّدِ) تَبَعًا لِأُمِّهِ (إلَّا أَنْ يَشْتَرِط الزَّوْجُ عَلَى مَالِكِهَا حُرِّيَّتُهُ) أَيْ الْوَلَدِ (فَيَكُونُ) وَلَدُهُ (حُرًّا) قَالَهُ فِي الرَّوْضَةِ.
(وَابْنُ الْقَيِّمِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا» وَلِقَوْلِ عُمَرَ «مَقَاطِعُ الْحُقُوقِ عِنْدَ الشُّرُوطِ» وَلِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ مِنْ النِّكَاحِ فَكَانَ لَازِمًا كَشَرْطِ سَيِّدِهَا زِيَادَةً فِي مَهْرِهَا.
تَنْبِيهٌ:
فِي قَوْلِهِ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى عَلَى (مَالِكِهَا) إيمَاءٌ إلَى أَنَّ نَاظِرَ الْوَقْفِ وَوَلِيَّ الْيَتِيمِ وَنَحْوَهُ لَيْسَ لِلزَّوْجِ اشْتِرَاطُ حُرِّيَّةِ الْوَلَدِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ.
وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ لِلْغَيْرِ بِمَا فِيهِ حَظٌّ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَلَا أَثَرَ لِاشْتِرَاطِهِ (وَلِعَبْدٍ) نِكَاحُ أَمَةٍ (وَ) لِ (مُدَبَّرٍ) نِكَاحُ أَمَةٍ (وَ) لِ (مُكَاتَبٍ) نِكَاحُ أَمَةٍ (وَ) لِ (مُعْتَقٍ بَعْضُهُ نِكَاحُ أَمَةٍ وَلَوْ فُقِدَ فِيهِ الشَّرْطَانِ وَلَوْ عَلَى حُرَّةٍ) لِأَنَّهَا تُسَاوِيهِ.
(وَإِنْ جَمَعَ) الْعَبْدُ أَوْ الْمُدَبَّرُ وَنَحْوُهُ (بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ حُرَّةٍ وَأَمَةٍ (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ) الْعَقْدُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَيْهِمَا فِي عَقْدَيْنِ (وَلَيْسَ لَهُ) أَيْ لِلْعَبْدِ (نِكَاحُ سَيِّدَتِهِ) الْمَالِكَةِ لَهُ أَوْ لِبَعْضِهِ لِأَنَّ أَحْكَامَ النِّكَاحِ وَالْمِلْكِ تَتَنَاقَضُ، إذْ مِلْكُهَا إيَّاهُ يَقْتَضِي وُجُوبَ نَفَقَتِهِ عَلَيْهَا وَأَنْ يَكُونَ بِحُكْمِهَا، وَنِكَاحُهُ إيَّاهَا يَقْتَضِي عَكْسَ ذَلِكَ.
وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَنَحْنُ بِالْجَابِيَةِ وَقَدْ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَا يَحِلُّ لَكِ» (وَلَا) يَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ أَنْ يَتَزَوَّجَ (أُمَّ سَيِّدِهِ أَوْ) أُمَّ (سَيِّدَتِهِ) لِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ إذَا مَلَكَ وَلَدُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ انْفَسَخَ النِّكَاحُ (وَلَا لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَتَهُ) لِأَنَّ النِّكَاحَ يُوجِبُ لِلْمَرْأَةِ حُقُوقًا مِنْ الْقَسْمِ وَالْمَبِيتِ وَغَيْرِهِمَا.
وَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مِلْكَ الْيَمِينِ فَلَا يَصِحُّ مَعَ وُجُودِ مَا يُنَافِيهِ وَلِأَنَّ مِلْكَ الرَّقَبَةِ يُفِيدُ مِلْكَ الْمَنْفَعَةِ وَإِبَاحَةَ الْبُضْعِ فَلَا يَجْتَمِعُ مَعَهُ عَقْدٌ أَضْعَفُ مِنْهُ (وَلَا) لِلْحُرِّ (أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ مُكَاتَبِهِ) أَوْ أَمَةَ مُكَاتَبَتِهِ (وَلَا أَمَةَ وَلَدِهِ مِنْ النَّسَبِ) لِأَنَّ لَهُ فِيهَا شُبْهَةَ مِلْكٍ (دُونَ الرَّضَاعِ) فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةَ وَالِدِهِ مِنْ الرَّضَاعِ بِشَرْطِهِ كَالْأَجْنَبِيِّ.
(وَلَوْ كَانَ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الثَّلَاثَةِ) وَهُمْ الْحُرُّ وَمُكَاتَبُهُ وَوَلَدُهُ (بَعْضًا مِنْ الْأَمَةِ) فَإِنَّهُ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ كَمِلْكِ كُلّهَا (وَلَا لِحُرَّةٍ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَهَا) أَيْ الْأُمِّ (ذَلِكَ) أَيْ نِكَاحُ عَبْدِ وَلَدِهَا (مَعَ رِقِّهَا وَلِلْعَبْدِ نِكَاحُ أَمَةِ وَلَدِهِ).
لِأَنَّ الرِّقَّ قَطَعَ التَّوَارُثَ بَيْنَ الْأَمَةِ أَوْ الْعَبْدِ وَوَلَده، فَهُوَ كَالْأَجْنَبِيِّ مِنْهُمَا (وَيَصِحُّ) لِلْعَبْدِ أَوْ الْحُرِّ بِشَرْطِهِ (نِكَاحُ أَمَةٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مَعَ أَنَّ فِيهِ شُبْهَةٌ تُسْقِطُ الْحَدَّ لَكِنْ لَا تَجْعَلُ الْأَمَةَ أُمَّ وَلَدٍ ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ).
لِأَنَّ لِلْإِمَامِ التَّصَرُّفَ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِمَا يَرَى أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ، وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمْ يَتَعَيَّن فِي الْمَنْكُوحَةِ (وَلِلِابْنِ نِكَاحُ أَمَةِ أَبِيهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ شُبْهَةُ التَّمَلُّكِ مِنْ مَالِ أَبِيهِ بِخِلَافِ الْأَبِ (وَكَذَلِكَ سَائِرُ) أَيْ بَاقِي (الْقَرَابَاتِ) فَلِلْحُرِّ أَنْ يَنْكِحَ أَمَةَ أَخِيهِ أَوْ عَمِّهِ وَأَمَةَ جَدِّهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ التَّمَلُّكُ عَلَيْهِمْ.
(وَإِنْ مَلَكَ حُرٌّ) زَوْجَتَهُ انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ أَقْوَى مِنْ النِّكَاحِ فَيُزِيلُهُ (أَوْ) مَلَكَ (وَلَدُهُ الْحُرُّ زَوْجَتَهُ) انْفَسَخَ النِّكَاحُ لِأَنَّ مِلْكَهُ كَمِلْكِ أَصْلِهِ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ، فَكَانَ كَمِلْكِهِ فِي إزَالَةِ النِّكَاحِ (أَوْ) مَلَكَ (مُكَاتَبَهُ زَوْجَتَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ غَيْرِهِ انْفَسَخَ نِكَاحُهَا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَكَذَا لَوْ مَلَكَ) الزَّوْجُ أَوْ وَلَدُهُ الْحُرُّ أَوْ مُكَاتَبَهُ (بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الزَّوْجَةِ قُلْتُ: وَالْمُكَاتَبَةُ فِي ذَلِكَ كَالْمُكَاتَبِ (وَيَحْرُمُ وَطْؤُهَا هُنَا) أَيْ إذَا مَلَكَ بَعْضَهَا لِعَدَمِ تَمَامِ الْمِلْكِ وَكَذَا إذَا مَلَكَهَا وَلَدُهُ الْحُرُّ أَوْ مُكَاتَبُهُ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا (وَكَذَا لَوْ مَلَكَتْ زَوْجَةٌ) زَوْجَهَا (أَوْ) مَلَكَ (وَلَدُهَا) الْحُرُّ زَوْجَهَا (أَوْ) مَلَكَ (مُكَاتَبُهَا زَوْجَهَا أَوْ) مَلَكَ أَحَدُهُمْ (بَعْضَهُ) انْفَسَخَ النِّكَاحُ كَمَا سَبَقَ.
(وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ مُحَلَّلَةٍ وَمُحَرَّمَةٍ) كَأَيِّمٍ وَمُزَوَّجَةٍ نَكَحَهُمَا (فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ صَحَّ) النِّكَاحُ (فِيمَنْ تَحِلُّ) وَهِيَ الْأَيِّمُ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ قَابِلٌ لِلنِّكَاحِ أُضِيفَ إلَيْهَا عَقْدٌ صَادِرٌ مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يَجْتَمِعْ مَعَهَا فِيهِ مِثْلُهَا فَصَحَّ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ بِهِ وَفَارَقَ الْعَقْدَ عَلَى نَحْوِ أُخْتَيْنِ لِأَنَّهُ لَا مَزِيَّةَ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَهَهُنَا قَدْ تَعَيَّنَتْ الَّتِي بَطَلَ النِّكَاحُ فِيهَا وَلِلَّتِي صَحَّ نِكَاحُهَا مِنْ الْمُسَمَّى لَهُمَا بِقِسْطِ مَهْرِ مِثْلهَا مِنْهُ.
(وَلَوْ تَزَوَّجَ أُمًّا وَبِنْتًا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ بَطَلَ) النِّكَاحُ (فِي الْأُمِّ فَقَطْ) وَصَحَّ فِي الْبِنْتِ، لِأَنَّهُ عَقْدٌ تَضَمَّنَ عَقْدَيْنِ يُمْكِنُ تَصْحِيحُ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَصَحَّ فِيمَا يَصِحُّ وَبَطَلَ فِيمَا يَبْطُلُ، لِأَنَّا لَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْأُمِّ سَبَقَ وَبَطَلَ ثُمَّ عُقِدَ عَلَى الْبِنْتِ صَحَّ نِكَاحُ الْبِنْتِ، وَلَوْ فَرَضْنَا أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْبِنْتِ سَبَقَ وَبَطَلَ ثُمَّ عُقِدَ عَلَى الْأُمِّ لَمْ يَصِحَّ فَإِذَا وَقَعَا مَعًا فَنِكَاحُ الْبِنْتِ أَبْطَلَ نِكَاح الْأُمِّ لِأَنَّهَا تَصِيرُ أُمَّ زَوْجَتِهِ، وَنِكَاحُ الْأُمِّ لَا يُبْطِلُ نِكَاحَ الْبِنْتِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ رَبِيبَتَهُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلِذَلِكَ صَحَّ نِكَاحُ الْأُمِّ.
(وَمَنْ حَرُمَ نِكَاحهَا حَرُمَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ كَالْمَجُوسِيَّةِ) لِأَنَّ النِّكَاحَ إذَا حَرُمَ لِكَوْنِهِ طَرِيقًا إلَى الْوَطْءِ فَلَأَنْ يَحْرُمَ الْوَطْءُ نَفْسُهُ أَوْلَى (إلَّا إمَاءَ أَهْلِ الْكِتَابِ) فَيَحْرُم نِكَاحُهُنَّ وَلَا يَحْرُم وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِدُخُولِهِنَّ فِي قَوْله تَعَالَى {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} وَلِأَنَّ نِكَاحَ الْإِمَاءِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إنَّمَا حَرُمَ مِنْ أَجْلِ إرْقَاقِ الْوَلَدِ وَإِبْقَائِهِ مَعَ كَافِرَةٍ وَهَذَا مَعْدُومٌ بِوَطْئِهِنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.
(وَكُلُّ مَنْ حَرَّمَهَا النِّكَاحُ مِنْ أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَبَنَاتِهِنَّ وَحَلَائِلِ الْآبَاءِ وَ) حَلَائِلِ (الْأَبْنَاءِ حَرَّمَهَا الْوَطْءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ وَ) وَطْءُ (الشُّبْهَةِ وَالزِّنَا لِأَنَّ الْوَطْءَ آكَدُ فِي التَّحْرِيمِ مِنْ الْعَقْدِ) بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُحَرِّمُ الرَّبِيبَةَ وَلَا يُحَرِّمُهَا الْعَقْدُ فَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ أَبُوهُ بِنْتَهَا أَوْ أُمَّهَا فَزُفَّتْ امْرَأَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ فَوَطِئَهَا فَإِنَّ وَطْءَ الْأُولَى يُوجِبُ عَلَيْهِ مَهْرَ مِثْلِهَا وَيَنْفَسِخُ بِهِ نِكَاحُهَا مِنْ زَوْجِهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ بِالْوَطْءِ حَلِيلَةَ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ وَيَسْقُطُ بِهِ مَهْرُ الْمَوْطُوءَةِ عَنْ زَوْجِهَا لِمَجِيءِ الْفَسْخِ مِنْ قِبَلِهَا وَيَنْفَسِخُ بِتَمْكِينِهَا مِنْ وَطْئِهَا وَمُطَاوَعَتِهَا عَلَيْهِ وَيَنْفَسِخُ نِكَاحُ الْوَاطِئِ أَيْضًا لِأَنَّ امْرَأَتَهُ صَارَتْ أُمَّ الْمَوْطُوءَةِ أَوْ ابْنَتَهَا وَلَهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَأَمَّا وَطْءُ الثَّانِي فَيُوجِبُ مَهْرَ الْمِثْلِ لِلْمَوْطُوءَةِ فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَوَّلُ انْفَسَخَ النِّكَاحَانِ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا عَلَى وَاطِئِهَا وَلَا رُجُوعَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَيَجِبُ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى زَوْجهَا نِصْفُ الْمُسَمَّى وَلَا يَسْقُطُ بِالشَّكِّ (فَلَوْ وَطِئَ ابْنُهُ أَمَةً أَوْ) وَطِئَ (أَبُوهُ أَمَةً بِمِلْكِ الْيَمِينِ) أَوْ بِشُبْهَةٍ أَوْ (زِنًا حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا وَ) حَرُمَ عَلَيْهِ (وَطْؤُهَا إنْ مَلَكَهَا) وَكَذَا أُمُّهَا وَبِنْتُهَا تَحْرُم عَلَى الْوَاطِئِ كَذَلِكَ لَا عَلَى أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ.
(وَلَا يَحِلُّ نِكَاحُ خُنْثَى مُشْكِلٍ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ) لِاشْتِبَاهِ الْمُبَاحِ وَالْمَحْظُورِ فِي حَقِّهِ.
تتمة:
قَالَ الْخِرَقِيُّ: إذَا قَالَ أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ نِكَاحِ النِّسَاءِ وَإِنْ قَالَ أَنَا امْرَأَةٌ لَمْ يُنْكَحْ إلَّا رَجُلًا فَإِنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ قَالَ أَنَا امْرَأَةٌ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ لِإِقْرَارِهِ بِبُطْلَانِهِ، وَلَزِمَهُ نِصْفُ الْمَهْرِ إنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ جَمِيعُهُ إنْ كَانَ بَعْدَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ بَعْد ذَلِكَ أَنْ يَنْكِحَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِقَوْلِهِ أَنَا رَجُلٌ بِتَحْرِيمِ الرِّجَالِ، وَأَقَرَّ بِقَوْلِهِ أَنَا امْرَأَةٌ بِتَحْرِيمِ النِّسَاءِ وَإِنْ تَزَوَّجَ رَجُلًا ثُمَّ قَالَ أَنَا رَجُلٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ فِي فَسْخِ نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ فَإِذَا زَالَ نِكَاحُهُ فَلَا مَهْرَ لَهُ لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ سَوَاءٌ دُخِلَ بِهِ أَوْ لَمْ يُدْخَلْ وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ بَعْدَ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَلَا يَحْرُمُ فِي الْجَنَّة زِيَادَةُ الْعَدَدِ وَ) لَا (الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَحَارِمِ وَغَيْرُهُ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ دَارَ تَكْلِيفٍ.